المركزيات النقابية أمام امتحان

Publié le par FADAA ERRACHIDIA

في ظل استفحال وتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية
وأمام التجاهل الحكومي للأزمة الاجتماعية الخانقة
 
المركزيات النقابية أمام امتحان عسير
مع بداية جولات الحوار الاجتماعي
****************************
                                       خالد جلال
 
    مع اقتراب نهاية المدة الزمنية التي طلبتها الحكومة من المركزبات النقابية للرد على المطالب والقضايا المطروحة على طاولة التفاوض خلال الجولة الأولى من الحوار الاجتماعي، تخيم أجواء القلق والترقب على الشارع المغربي الذي يعرف مؤخرا موجة من الغليان والغضب والتذمر الشعبي من جراء إشعال الحكومة النار في أسعار مجموعة من المواد والخدمات الأساسية والتي لها ارتباط وثيق ومباشر بالمعيش اليومي لشرائح واسعة من الشعب المغربي ، بداية من أثمنة المحروقات والماء والكهرباء ونهاية بالنقل بأصنافه المختلفة مرورا بالسكر والخضر واللحوم بجميع أنواعها، الشيء الذي أدى إلى إقبار القدرة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود، والتي كانت أصلا لاتلبي ضروريات الحياة اليومية وحاجيات ومتطلبات العيش الكريم وإذكاء الاحتقان الاجتماعي.
     فبعد الجولة الأولى من الحوار واستعراض النقابات للعديد من المطالب الآنية والملحة للأجراء في ظل الإجهاز على القدرة الشرائية التي تمت صلاة الجنازة عليها مؤخرا، وما آلت إليه أوضاع المأجورين الاجتماعية والاقتصادية بسبب تواجدهم بين مطرقة جحيم الأسعار الملتهبة والضغط الضريبي على الأجور وسندان التضييق على ممارستهم للحق النقابي وتجريم الحق في الإضراب، تجد هذه النقابات نفسها في أول امتحان صعب وعسير مع بداية الدخول الاجتماعي الحالي بحيث تقع عليها مسؤولية جسيمة تتمثل في مقارعة الحكومة والرقي إلى مستوى تطلعات وانتظارات الطبقة العاملة وكذا شرائح واسعة من الشعب المغربي.
     ويعتبر العديد من المتتبعين وكذا عموم الأجراء أن الحوار الاجتماعي لهذه السنة سيكون حاسما في حياة التنظيمات النقابية ومستقبلها ومحكا حقيقيا لمصداقيتها ونضاليتها وفرصة سانحة لاسترجاع ثقة الشغيلة في  إطاراتها العمالية، وذلك بسبب التراجعات الاجتماعية والمكاسب الضائعة التي نتجت عن جولات الحوار السابقة خلال السنوات القليلة الماضية والتي عجزت هذه النقابات عن الوقوف ضدها والنضال من أجل التصدي لها أو ساهمت أحيانا بشكل أو بآخر في تكريسها كتصويت واحدة من التنظيمات بنعم على ميزانية 2006 مع العلم أنها طرف في الحوار الاجتماعي الحالي !!؟؟ واستنكاف البعض الآخر، وخصوصا النقابات الذيلية لأحزابها المتواجدة في الحكومة، على خوض نضالات حقيقية من قبيل الإضرابات العامة، أو حتى التلويح بها، لوقف تواصل تطبيق السياسات اللاشعبية واللاوطنية التي تغلب الجانب الماكرو اقتصادي على الجانب الاجتماعي، والتي كرست بالتالي التهميش والتفقير والإقصاء وعمقت الهوة الاجتماعية والفوارق الصارخة بين أقلية تنعم بالثراء الفاحش والبذخ وتتحكم في ثروات البلاد وأرزاق وأعناق العباد وأغلبية تزخر تحت وطأة التجويع والفقر المدقع وتواجه مختلف أشكال الاستغلال والاستعباد وتصارع فقط من أجل كسب قوتها اليومي والبقاء على قيد الحياة.
      كما يمكن اعتبار الجولة الأولى من الحوارمحاولة من الحكومة لجس نبض النقابات ومعرفة ما في جعبتها ومناسبة لقياس موازين القوة والوقوف على نوعية وأهمية المطالب والقضايا المطروحة على طاولة الحوار وكذا محاولة منها لامتصاص غضب الشارع الذي بدأ يبدي استعداده يوما بعد يوم لمعانقة كل اشكال الاحتجاج والتظاهر السلميين دفاعا عن الكرامة والحق في الشغل والحق في العيش الكريم. وقد بدأت بالفعل تظهر البوادر الأولى لحركة احتجاجية شعبية واسعة دشنتها "تنسيقية مناهضة ارتفاع الأسعار" المشكلة من عدد من الهيئات الديموقراطية السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية والتي نظمت وقفة احتجاجية رمزية يوم 21 شتنبر 2006 أمام مقر البرلمان بالإضافة إلى الدعوة لتأسيس تنسيقيات محلية قصد تنظيم حركات احتجاجية في مختلف المدن المغربية. وفي نفس السياق، يتواصل منذ مدة جمع توقيعات على عرائض تندد بالزيادات الأخيرة في أفق ترجمتها إلى فعل احتجاجي شعبي يعكس التدهور الخطير الذي تشهده الأوضاع الاجتماعية للشعب المغربي.
     وقد استدعت الحكومة لهذا الحوار خمس نقابات وعمدت إلى إقصاء المنظمة الديمقراطية للشغل، المركزية النقابية الحديثة العهد، والتي حصلت مؤخرا على نتائج جد مرضية في الانتخابات الأخيرة، مما يؤهلها بأن يتم التعامل معها على قدم المساواة مع باقي المركزيات النقابية الأخرى من خلال إشراكها في مختلف جولات الحوار الاجتماعي والذي من المفروض أن يجتمع على طاولته جميع الفرقاء الاجتماعيين دون تمييز أو إقصاء كما عبرت عن ذلك المنظمة الديمقراطية للشغل في شخص كاتبها العام علي لطفي، وذلك حرصا من الحكومة على تبني حوار اجتماعي حقيقي وديمقراطي.
      وعلى ضوء التصريحات والوعود الأخيرة للحكومة والرامية إلى التراجع عن الزيادات الأخيرة في الأسعار في حالة انخفاض سعر النفط في الأسواق العالمية، والتي اعتبرها البعض مجرد وعود وضرب من الخيال ويسهل التملص منها ومحاولة لاحتواء الأزمة سرعان ما يتم التراجع عنها ما دامت لم تدون في محضر اجتماع، يزداد الشارع المغربي غليانا واحتقانا يوما بعد يوم وينذر بوقوع حركة احتجاجية عنيفة وواسعة ردا على الاستهتار بالأوضاع الاجتاعية المتدهورة للطبقة العاملة والمؤامرات الدنيئة التي تحاك ضدها وضد المكاسب الاجتماعية التي تنتزع منها. وفي هذا الإطار، انطلقت مؤخرا بعض الأصوات التي تروج لخطاب تغليطي وتنويمي من قبيل أن ميزانية 2007 ستولي اهتماما أكبر بالنواحي الاجتماعية بتخفيض الضغط الضريبي على الأجور وتحسين القدرة الشرائية ومحاربة الفقر، كل ذلك محاولة منها لإسكات الحركات الاحتجاجية وإلهائها بالوعود الزائفة والتي سرعان ما ينكشف زيفها وتنجلي حقيقتها. فبالرغم من التطبيل والترويج للأرقام المقدمة على صفحات بعض الجرائد التابعة لأحزاب الحكومة قبيل الجولة الثانية من الحوار، يتضح أنها لن تسمن ولن تغني من جوع بحيث لن تستفيد بعض الفئات من تخفيض على الضريبة العامة على الدخل إلا بمعدل يتراوح بين 2 و 4 % أي بزيادة بين 120 و 240 درهما مع العلم أن الحكومة لن تقدم على تخفيض الضريبة على القيمة المضافة التي ساهمت في ارتفاع الأسعار وبالتالي أجهزت على القدرة الشرائية للمواطنين.
      هذا، ومن المتوقع أن تقدم الحكومة مقترحات ملغومة وغير عادلة قد تمس مرة أخرى ببعض مكاسب المأجورين مقابل مراجعة هزيلة وطفيفة للنظام الضريبي والذي لن تستفيد منه غالبية الطبقة العاملة بالشكل الذي تتوقعه وبالشكل الذي تريد إظهاره بعض الجهات إذ تعتبر النسب المقترحة هزيلة وبالتالي لن تحدث ذلك التوازن بين الدخل وتكاليف العيش الكريم خصوصا إذا استحضرنا الزيادات الأخيرة وكذا تلك التي من شأنها أن تطلع علينا الحكومة بها في أي وقت ودون سابق إنذار لأنها تعرف جيدا أن لا أحد يمكن أن يتصدى لها. ومن المنتظر أن تعرف العديد من النقط المطروحة في جدول أعمال الجولة الثانية من الحوار الاجتماعي كمسألة رفع الحد الأدنى من الأجور والتغطية الصحية ومصير صندوق الدعم ومشكل التقاعد سجالا حادا ونقاشا محتدما لأنها تعتبر من القضايا الأساسية والبالغة الأهمية بالنسبة للشغيلة. إلا أن الحكومة كعادتها من المحتمل أن تقدم اقتراحات أحلاها مر كما يقال كالتي من المتوقع أن يعرفها مشكل التقاعد والسناريوهات الثلاثة المقترحة والتي يصفها البعض بثالوث الموت بحيث ستحاول الحكومة إيجاد حل للتقاعد على حساب الأجراء عن طريق اللجوء إلى الرفع من نسبة الاقتطاع للتقاعد من الأجور أو التخفيض من المعاشات أو رفع سن التقاعد إلى 65 سنة !!؟؟.
      وحسب ما تسرب من الجولة الأولى، فإن العديد من القضايا التي تستأثر باهتمام لدى الأجراء لم تطرح على طاولة الحوار كمسألة مراجعة بعض مقتضيات مدونة الشغل المتسمة بالمرونة والتي تشرعن للطرد والتسريخ الجماعي للعاملات والعمال وتفتح الباب على مصراعيه للاستغلال وهضم الحقوق وكذا التضييق المستمر على الحريات العامة وتجريم الحق في الإضراب.
       فبالرغم من الترويج لخطاب الانفراج القريب والتهويل لأرقام خيالية، تبقى الإكراهات المتعددة والالتزامات المالية وكذا تعليمات وإملاءات المؤسسات المالية الدولية هي التي تتحكم في رسم الخطوط العريضة لميزانية 2007، والتي يرى بعض المحللين الاقتصاديين أنها لن تختلف كثيرا عن سابقاتها ولن تمنح للأسف الشديد للبعد الاجتماعي وتحسين الأجور إلا هامشا ضئيلا وغلافا ماليا هزيلا بهدف امتصاص الغضب والتذمر الشعبي من الغلاء ومحاولة لدر الرماد على العيون وإسكات الأصوات الاحتجاجية التي يتوقع أن تصدح عاليا مع انكشاف الحقيقة وارتطام أحلام الشغيلة بالواقع المر واكتوائها بنار الأسعار الملتهبة والتي ستأجج نار الاحتجاجات الشعبية بمختلف المناطق.        
     وفي هذه الحالة، الكل سينتظر الرد النقابي العمالي الجماهيري على الاستهتار والتجاهل الحكومي والخطوات التي من المحتمل أن تقوم بها المركزيات النقابية للدفاع عن مكاسب ومطالب الأجراء وكذا السبل المتوقع انتهاجها والأشكال النضالية المزمع خوضها للتصدي لكل ما يحاك ضد الطبقة العاملة للتصدي بكل مسؤولية لمسلسل هضم الحقوق ومواصلة الدوس على كرامة الشغيلة وضرب قدرتها الشرائية والإجهاز على حقها في العيش الكريم.
     وعند انتهاء جولات الحوار الاجتماعي وقبل التوقيع على الاتفاق، هناك احتمالين لا ثالث لهما: الاحتمال الأول: هو أن تخرج الحكومة رابحة على جميع المستويات وتمدد من السلم الاجتماعي المجحف والمغشوش وتجرد الشغيلة من مجموعة أخرى من المكاسب أو إعطاء القليل والفتات باليد اليمنى وأخذ المهم والكثير باليد اليسرى وبالتالي ستضع النقابات العمالية في وضع لا تحسد عليه بحيث ستخرج هذه الأخيرة بخفي حنين وخاوية الوفاض، الشيء الذي سيضعها مرة أخرى في قفص الاتهام بحيث ستتهم بتسليم رقبة الطبقة العاملة للحكومة على طبق من ذهب وأن اتفاقا آخر جرى تحت طاولة الحوار. أما الاحتمال الثاني: هو أن هذه المركزيات النقابية ستتمكن هذه المرة من أن تقف الند للند أمام الحكومة وأن تتمكن من تضييق الخناق والضغط بقوة عليها باستعمال كافة الوسائل المشروعة ومن بينها التلويح والتهديد بإضراب عام، ولم لا الدعوة إليه، والتنسيق فيما بينها لإنجاحه وبالتالي فرض شروطها وتحقيق انتصار تاريخي منتزعة بذلك مكاسب جديدة ومسترجعة ثقة المأجورين فيها وتكون قد برهنت على قدرتها على تغيير وتغليب موازين القوة لصالحها حتى تنعم الطبقة العاملة بجميع حقوقها العادلة والمشروعة وتعبد الطريق نحو عدالة اجتماعية حقيقية وتوزيع عادل لثرواث البلاد.

Publié dans fadaa-errachidia

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article